يتناول هذا المقال بالبحث والتمحيص الفكرة التي يجري تداولها بين القيادات العربية والإسلامية والتي بدأت بعض نتائجها تتحول إلى اتفاقات دفاعية واستراتيجية بين بعض الدول ثنائياً، والتي تهدف بمجموعها إلى تحقيق الأمن وحماية الاستقرار في العالم العربي وجواره الإسلامي، لا سيما بعد تصاعد التهديدات والمخاطر من قبل إسرائيل، وتوجيهها ضربات واسعة النطاق ومتفرقة جغرافياً ضدّ الدول العربية والإسلامية، وقد كشفت هذه الهجمات عن حقيقة المخاطر الوجودية والسيادية القائمة، والتي تشكّل تهديدات أمنية حقيقية، وتؤسس لحالة من عدم الاستقرار طويل الأمد في المنطقة، كما أنها ستمنح إسرائيل اليد الطولى لفرض هيمنتها على المنطقة بالقوة والتهديد والعنف، غير آبهة بالقرارات والمواثيق الدولية.
وقد انبثقت هذه الحالة الخطيرة من تداعيات حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والضفة الغربية، ونواياها المعلنة وخططها التنفيذية لضمّ هذه الأراضي، ومنع إقامة الدولة الفلسطينية. كما ساهمت الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على كلّ من إيران ولبنان وسوريا وقطر واليمن في خلق هذه الحالة ضمن سياقات مضللة تروّجها إسرائيل.
ولذلك فإن انعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة مؤخراً، وزيادة التواصل بين قادة العالم العربي والإسلامي، والتحرك الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تشكل مؤشرات جوهرية على قدرة الدول العربية والإسلامية على تشكيل حالة سياسية، وحاضنة للعمل المشترك للحفاظ على الأمن والاستقرار.
ومن الجدير بالذكر أن الضغط العربي والإسلامي على الإدارة الأمريكية في اللقاء مع الرئيس ترامب لوقف عدوان إسرائيل وإبادتها الجماعية في غزة وتطبيق حل الدولتين، يعدّ أحد المؤشرات على ضرورة هذا التحالف وترسيخه، حيث من شأن تشكيل هذا التحالف تعزيز قدرة هذه الدول على مواجهة التهديدات والمخاطر الوجودية التي تشكّلها مشاريع وخطط إسرائيل التوسعية بالعدوان والقوة الغاشمة، وأي جهة أخرى تشكّل مثل هذه التهديدات ضدّ الدول العربية والإسلامية.
ويأتي التفكير بضرورة التكامل والتنسيق والدعم المبتادل وتنويع مصادر السلاح والتحالفات العربية والإسلامية، مثل توقيع كلّ من السعودية وباكستان لاتفاقية دفاعيّة، ليرسم خطوات قوية دعماً وإسناداً وتحصيناً استراتيجياً وفكرياً وجيوسياسياً، وتعدّ تجربة كلّ من حلف شمال الأطلسي (النيتو) والاتحاد الأوروبي مثالاً ناجحاً يمكن لهذا التحالف أن يحتذي به، كما يتضمّن ذلك تشكيل حاضنة ورافعة للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى إنهائه عن الأراضي المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية؛ حيث تشكّل هذه المقاومة حاجزاً فلسطينياً قوياً ومتيناً في وجه إسرائيل وسلوكها ومخططاتها التوسعية في المنطقة ضدّ العديد من الدول العربية والإسلامية.
كما يتطّلب هذا التحالف مصالحات داخلية تعزّز الجبهات الداخلية في هذه الدول ليصبح المجتمع بمجموعه جماعة وطنية متماسكة تسند السياسة الخارجية وتحمي البلاد وأمنها، وتحقّق الاستقرار، وتواجه المخاطر الوجودية التي تشكّلها إسرائيل وغيرها، كما يتطلب تخفيف حدة أي توتر في العلاقات بين دول التحالف واحتوائه، وخاصة مع إيران، في ضوء سلوكياتها السابقة. ويتطلّب معالجة الأزمات المتفاقمة في كلّ من اليمن وليبيا وتونس ومصر بين القوى الوطنية والحكومات، حيث لا يوجد أفق واضح ولا حوار عميق لوقف هذا الاستنزاف حتى الآن، وبالتالي لا بد من حشد جميع القوى الوطنية لدعم هذا التحالف الإقليمي واستدامته، وحماية الأمن والاستقرار الوطني لدوله أيضاً.
وتشير القراءة الأولية لهذه التحركات والأفكار، في حال نجاحها على أيدي قادة التحالف، إلى أن القوة الجيوسياسية والدور الجيوستراتيجي لهذا التحالف سوف يشكل نقلة نوعية وواعدة في أدوار أعضائه ودورهم الجماعي من جهة، كما سيشكّل حالة لا يمكن تجاوزها في سياسات المجتمع الدولي، وخاصة الدول الكبرى، تجاه المنطقة إلا بالتفاهم مع هذا التحالف، ويشمل ذلك العلاقات الغربية مع إسرائيل ودعمها بالسلاح بلا شروط، وهي تقوم بالعدوان وحرب الإبادة الجماعية.
وتشكّل هذه الخطوة لحظة تاريخية مهمة في تطوير مكانة العالم العربي والإسلامي وتأثيرها على السياسات الدولية بما يحقق مصالحها، وبما يوقف العدوان والتوسع الإسرائيلي، وجرائم الحرب التي ترتكبها، ويعيد الحسابات لدى قياداتها عند التفكير في مهاجمة أي دولة في التحالف أو في العالم العربي والإسلامي، بما في ذلك الشعب الفلسطيني.
ويتداول بعض الأكاديميين والشخصيات العربية البارزة دولاً مرشحة للعب دور حيوي في تشكيل هذا التحالف الإقليمي وفق هذه الاعتبارات لتحقيق هذه الأهداف، حيث يُنظر لكلّ من السعودية ومصر وتركيا وإيران وباكستان والأردن وسوريا كأطراف أساسية فاعلة ومؤثرة في الإقليم وفي المجتمع الدولي وفي العالم الإسلامي، كما أنّها تشكل حالة من التكامل الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي ذات إمكانات وفيرة، مما يعزّز الجبهة العربية الإسلامية داخلياً وخارجياً، كما أنها تشكل حالة استعصاء على الاختراق والتهميش من قبل القوى الكبرى، وحتى من قبل دول عدوانية مثل إسرائيل.
الكلمات المفتاحية: --