بعد مرور خمسة أعوام على اندلاع الربيع العربي وأكثر من عامين على محاولات إعاقته لم تتمكن قوى الشد العكسي والقوى المضادة للتغيير والثورة في دول الربيع العربي من إعادة الوضع السياسي إلى ما قبل الربيع الذي اندلع عام 2011، فاستمرت حالة عدم الاستقرار في كل من ليبيا واليمن وسوريا، إضافة إلى إدخال مصر في أعمال عنف وتوتر أمني عالي المستوى، وفي المقابل استمرت حالة الاستقرار السياسي والأمني في كل من الأردن والمغرب اللتين شهدتا عمليات إصلاح سياسي غير مكتملة نحو الديمقراطية.
في ضوء ذلك، فإن التحولات النوعية التي تشهدها دول الربيع، وخاصة في كل من سوريا واليمن، تعطي مؤشرات جديدة على اتجاهات التحول المحتملة في مسار الربيع العربي، كما تخلق هذه التحولات حالة من الترقب وإعادة النظر في مواقف وسياسات بنيت سابقاً، وقد ساعد هذا على تشكل حالة الترقب هذه تداخل الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية بشكل ربما لم يكن مقصوداً، ما جعل الاستقرار في المنطقة مهدداً برمته.
ويمكن القول إن ثمة تحولات مهمة ونوعية تتبلور سوف تدفع بالمشهد السياسي إلى مربعات جديدة ومحددات أكثر وضوحاً، ربما يكون عنوانها تحقيق الاستقرار، وهي: تنامي الأزمة في العلاقات الدولية، فشل الحملة العربية والدولية لمحاربة تنظيم الدولة( داعش)، وتزايد الضجر الشعبي من فشل القوى التي حكمت تنامي قدرة الحركة الإسلامية (التيار الإسلامي المعتدل) وحلفائها الوطنيين والإقليميين على الاستمرار والتعايش مع المتغيرات.
ولذلك فإن الشرق الأوسط بعمومه مقبل على تحولات سياسية كبيرة خلال العام 2016 أساسها إعادة الاستقرار واستئناف عمليات الإصلاح السياسي، وقيادة مصالحات وطنية وإقليمية واسعة، ستقود إلى استئناف عملية الربيع العربي لدورها، ولكن بمعادلات جديدة.
وتثار في ظل هذه التحولات الممكنة وتوقعات اتجاهاتها أسئلة صعبة أهمها:
هل تستطيع قوى التغيير والربيع العربي الأساسية توفير ضمانات وتطمينات للنظام العربي وخاصة دول الخليج أنها لا تستهدف أمنها بل تعتبره جزءاً من أمن أقطارها!، وهل تدرك الدول الكبرى، وخاصة روسيا والولايات المتحدة، أن إثارتها للعنف والفوضى في المنطقة لا توفر لمصالحها الاقتصادية الاستقرار ولا تخدم أمنها الوطني والقومي، وما مدى قدرة الحركة الإسلامية السياسية على الاستفادة من هذه الفرصة لاستعادة دورها وتقديم تنازلات سياسية لشركاء الثورة أو الوطن نحو بناء شراكة سياسية حقيقية؟.
بالتأكيد إن هذه عملية معقدة كما تُظهر الأسئلة وأطرافها، ولكنها ربما تبدأ بحل الأزمة في اليمن أو سوريا أو ليبيا أو مصر أو كلها معاً، ولذلك فإن السعودية من جهة، وكل من تركيا وإيران من جهة أخرى، وبالتعاون مع تيار الإسلام السياسي المعتدل من جهة ثالثة، هي الأطراف الأقدر اليوم على التقدم بهكذا مبادرة، لتقوم على أساس التنازلات السياسية المتبادلة بين كل الفرقاء لمصلحة بناء الأوطان.