يشهد إقليم الشرق الأوسط تطورات سياسية كبيرة ومتلاحقة منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وما تلاه من تأسيس الكيان الصهيوني ونشوب الحروب العربية الإسرائيلية، وصراع العملاقين الكبيرين على النفوذ في الإقليم وهما الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي، وحروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، والحرب العالمية على الإرهاب.
وقد أسهم كل من موقع الشرق الأوسط وموضعه في تعرض الإقليم لأحداث جسيمة لا تزال تؤثر في أوضاع السكان وفي استمرار عدم الاستقرار ونشوب الحروب .
غير أن الإقليم شهد تحولات في السياسات الجغرافية مع مطلع القرن الحادي والعشرين وذلك في أعقاب أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١ وما تمخض عنها من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية على الإرهاب، واحتلال كل من أفغانستان والعراق ، وإضافة إلى ذلك قيام الكيان الصهيوني بإعادة احتلال الضفة الغربية للقضاء على انتفاضة الشعب الفلسطيني ووضع حد لمقاومته التي يعتبرها المحرك الرئيسي للإرهاب.
ويعتبر إقليم الشرق الأوسط من أكثر أقاليم العالم سخونة، حيث تتطلع القوى الخارجية إليه باستمرار لما يتمتع به من موقع استراتيجي مهم، ولما يزخر به من موارد طبيعية واقتصادية على رأسها النفط والغاز الطبيعي، وإذا استثنينا الكيان الصهيوني الذي يشارك في حلف استراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية بغرض الهيمنة على نظام الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة، وهي القطب الأوحد في العالم، تنفذ سياسة جغرافية تقوم على أساس إضعاف الدول العربية والإسلامية والتفرقة بينها، بل وإشعال نار الفتنة والحروب بين البعض منها بتشجيع طرف على الآخر، كما هي الحال في الحرب الإيرانية -العراقية التي ساندت الولايات المتحدة خلالها العراق لإجهاض الثورة الإسلامية في إيران، وحرب الخليج الثانية التي تعرض العراق خلالها لتدمير جزء مهم من قوته العسكرية على يد الحلفاء، مما أتاح للكيان الصهيوني فرصة الهيمنة على الشرق الأوسط.
كما وقد تطرق البحث إلى عدة موضوعات مهمة منها: "البعد السياسي لموقع الشرق الأوسط وموضعه"، "أوضاع الشرق الأوسط في ظل النظام العالمي الجديد"، "صدام الحضارات في الشرق الأوسط، مشروع إسرائيل الكبرى وظاهرة ما بعد الصهيونية".
واختتم البحث بموضوع "الشرق الأوسط والحرب العالمية على الإرهاب" حيث انتهزت الولايات المتحدة فرصة حادث ضرب برجي نيويورك وتفجير البنتاجون في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ م واتخذته ذريعة لشن حرب عالمية على الإرهاب تفرض من خلالها مفردات جديدة لنظام عالمي جديد يلبي المطالب الأمريكية في الهيمنة والنفوذ، فانهالت العروض من مختلف دول العالم بشأن الإنضمام للحملة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية ضد الإرهاب بعد أن هددت أمريكا هذه الدول بضرورة الإعلان عن سياساتها صراحة فيما إذا كانت مؤيدة لأمريكا في حربها على الإرهاب أو معارضة لها وبذلك تصبح مساندة للإرهاب وتعتبر خصمًا لأمريكا, وهكذا فإن أمريكا تعمل جاهدة من أجل جر العالم وراءها في حرب ضد عدو غير مرئي.
وقد أدت هذه الحرب العالمية على الإرهاب التي تدور رحاها مع مطلع القرن الحالي حتى الوقت الحاضر وإلى أجل غير مسمى إلى حدوث تطورات بالنسبة للتوازنات الاستراتيجية والسياسات الجغرافية على مستوى العالم والشرق الأوسط نذكر
منها ما يلي:
- وضع أمريكا قدمها في أفغانستان -أحد محاور آسيا الوسطى – فأعطت بذلك لنفسها وسائل الإشراف على طرق النفط المستقبلية التي تربط بين بحر قزوين وآسيا الشرقية وخاصة الصين.
- احتلت أمريكا العراق من أجل إقامة نظام موال لها في بغداد، ويعني هذا أن غالبية نفط العالم (الخليج والعراق وبحر قزوين) أصبح تحت النفوذ الأمريكي الاستراتيجي.
- أعطى وضع الإرهاب الدولي وزنًا أقوى للولايات المتحدة على حساب الاتحاد الأوروبي.
- استفاد الكيان الصهيوني من الأوضاع الراهنة في سعيه لطمس الهوية الفلسطينية في إطار مشروع الحرب الحضارية ضد المسلمين في الشرق الأوسط، وأطلق يده بمباركة أمريكية في التصدي لعمليات المقاومة البطولية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب أعمال عنف وجرائم يندى لها جبين البشرية.
- تعرض الوطن العربي إلى تآكل من الداخل والخارج، إذ يعتري وضع الحدود الدولية للوطن العربي ثلاثة أنماط من المشكلات على الأقل هي:
١- مشكلات الحدود الخارجية، إذ نجد أن أكثر من ثلثي موارد المياه السطحية يأتي من مصادر خارج حدود الوطن العربي مما يعرض الأمن المائي العربي إلى الخطر في المستقبل.
٢- تآكل الأراضي العربية من الداخل عبر الاستيلاء الإسرائيلي التدريجي على الأراضي العربية، إذ لم يبق للفلسطينيين بعد تنفيذ مشروع القدس الكبرى سوى (٦٠%) من مساحة الضفة الغربية و (٤٠) من مساحة قطاع غزة، واستولى الكيان الصهيوني على ٨٠% من مصادر المياه في الضفة الغربية.
٣- احتمالات البلقنة الداخلية التي تستهل بالعراق والسودان لتنتقل بعدئذ إلى المغرب ومصر ولبنان . وفيما يتعلق بالعراق فإن مخطط الاحتلال الأمريكي يقوم على أساس تقسيمه إلى ثلاث دول :دولة كردية في الشمال، ودولة سّنية في الوسط، ودولة شيعية في الجنوب.