الديمقراطية البريطانية... خلفيات وتحديات ومخاطر قراءة في انتخابات مجلس العموم 2015
بالرغم من أن انتخابات مجلس العموم التي جرت في السابع من أيار 2015قد تبدو على أنها شأن بريطاني داخلي خالص،إلا أنها هذه المرة مختلفة عن نظيراتها وسابقاتها من عدة أوجه. فأحد عناوين المنافسة الكامنة كان وحدة أراضي المملكة التي تتهددها الانقسامات مع صحوة الحس القومي الاسكتلندي بقوة.كما أنمستقبل العلاقة مع الاتحاد الأوروبيهو الآخر أحد عناصرالمعركة الانتخابية؛إذ أنّ قوىً حزبية وازنة تنزع نحو القطيعة مع الاتحاد دونما تردد، بينما يكافح آخرون من أجل عدم التهور أو الانسحاب. ثمة سبب آخر يتعلق بالحرب على الارهاب والتطرف،والاستعداد الآخذ بالتزايد للعصف بحقوق الانسان بما لذلك من تداعياتخطرة على الجالية المسلمة.ما أسماه البعض بـ (التسونامي) الانتخابي غيّر الخارطة الحزبية في بريطانيا بشكل مثير،حيث تجلت نتائجه الأبرزبفوز غير متوقعلحزب المحافظين اليميني بالأغلبية المطلقة، وتشكيله الحكومة منفرداً بما يمثله ذلكمن تحدّ داخلي وخارجي قد يكون فاصلاً بين مرحلتين تاريخيتين من عمر المملكة.
يتعلقالسؤال الرئيس في هذه الورقةبخلفيات سقوط قوى وصعود أخرى على الساحة البريطانية، والظلال الخطرة التي أرختها الانتخابات على الكيفيات المستقبلية للتعاطي مع موضوعات الاسلاموفوبيا والتطرف والقضية الفلسطينية وغيرها. تكمن أهمية هذه القراءة - فضلاً عن أنها الاولى شكلاً ومضموناً- في كونها تعطي تصوراً شمولياً عن ماهية (الانقلاب) الذي طرأ على الخارطة الحزبية البريطانية وتأثير ذلك على قضايا قد يشكل التهور في معالجتها تغييراً لقواعد اللعبة الناظمة لعلاقات المملكة داخلياً وخارجياً. كما أنها ستكون مرجعاً علمياً هاماً للتعرف على ماهية هذا المفترق السياسي الخطير الذي تسبب في عواقب استراتيجية وخيمة على المملكة في حال ذهب المحافظون قُدُماً في خياراتهم اليمينية.
في هذا السياق نحلّل نتائج الانتخابات آخذين بالاعتبار الدعاية الانتخابية للاحزاب المتنافسة، وما جاء في البرامج الانتخابية للحزبين الكبيرين تحديداً، حيث نتناول طبيعة المفاجأة التي أتت بها الانتخابات وخلفياتها، ثم نحلل اسباب الضربة القوية التي تلقاها حزب العمال مقابل التفوق غير المتوقع للمحافظين. كما سنعرج على جملة من القضايا الانتخابية ذات الأهمية الأبرز والتي شكلت – بشكل أو بآخر- محطاً للاشتباك بين المتنافسين مثل قضية الاتحاد الأوروبي واستقلال اسكتلندا،ومسألة حقوق الانسان، فضلاً عن الحديث عن الطبيعة (الديكتاتورية) للنظام الانتخابي المعمول به حالياًوتأثيره على التمثيل الديمقراطي الحقيقي للمواطنين.اما أثر المستجدات الانتخابية على المستقبل فستكون المحطة الاخيرة قبل أن نعرض خلاصة التحليل.