كان ما تم
التوافق عليه بين الأطراف السياسية التونسية الفاعلة تكملة لتحقيق مسار ديمقراطي
وسعيا لسحب البساط من تحت أي محاولة انقلابية على ذلك المسار، ومحافظة على ما أنجز
حتى اللحظة.
وقد ساهمت حركة النهضة التونسية أكبر إسهام في ذلك نظراً لإيمانها العميق
به، وحتى لا تتهم بأنها تسعى إلى الهيمنة وفرض رأيها على كافة مكونات الشعب
والمجتمع والدولة.
إلا أن ثمة أموراً ساهمت في المقابل في التأخر في رسم مسار ديمقراطي متجذر
وأمين، وأهمها طبيعة
المرحلة الانتقالية لإعداد دستور والتهيئة لانتخابات عامة، وغياب التقاليد
الديمقراطية في البلاد خلال فترة حكم بن علي، ما جعل أطرافا خاسرة في الانتخابات
السابقة تعتمد أسلوب إفشال المسار الديمقراطي ومحاولة إرباك الوضع العام، إضافة إلى منظومة إعلامية تديرها غرفة عمليات
موحدة تهدف إلى وصف التجربة بالفشل ومحاولة إلصاق التهمة بالترويكا عامة والنهضة خاصة،
وتراكم عدة مشاكل سياسية واقتصادية في مختلف مفاصل الدولة وبنيتها وفي فئات
المجتمع، وهو إرث مراحل الاستبداد والفساد السابقة للثورة، وتأخر في تشكيل أمن
جمهوري وقضاء يمكن الاعتماد عليهما في التأسيس لدولة ديمقراطية حديثة.
لكن النهضة بقاعدتها الشعبية الواسعة ومعها عدد من القوى السياسية أفشلت
مشروع أي انقلاب عبر نهجها التوافقي الذي اختارته ورضيت به وبنتائجه، مقابل أطراف
أخرى أملت في إفشال المسار الانتخابي أو تأجيله إلى أقصى مدى ممكن لعلها تستعيد
المنظومة القديمة وتمسك بمفاصل الدولة وتنهي مشروع الثورة والانتقال الديمقراطي.
وفي المسار الانتخابي رأت النهضة البدء بالخيار البرلماني، ورغم أن النهضة
لن ترشح حتى اللحظة أحد قادتها لمنصب الرئاسة أخذاً بعدة اعتبارات محلية وإقليمية،
إلا أنها معنية بذلك، وهي تدعم مرشحاً توافقياً لكل التونسيين، سعياً لتكريس التوافق
والالتقاء الجمعي الواسع وإبعاد أي سيناريو انقلابي وتقديم نموذج تونسي محتذى.
تتجه تونس نحو انتخابات تشريعية ورئاسية قبل نهاية هذا العام، والسمة الغالبة
لها هي النهج التوافقي، ومركز الثقل فيه هو للنهضة، ولعل التجاذبات السابقة قد
جعلت جميع الأطراف تُسلِّم بنوع من التوازن بين القوى المناصرة.
وسيصب ذلك في النهاية
في صالح الثورة والبلاد، بما يساعد الحكومة القادمة على القيام بالمقاربات الإصلاحية
اللازمة والالتقاء على توافقات وطنية للحلول الممكنة للملفات الكبرى.