سعد ناجي جواد - حارث محمد حسن
تغلب على معظم الدراسات التي تتناول العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا درجة من التبسيط والميل إلى إطلاق أحكام أحادية في معالجة الموضوع، وبصورة عامة فإن هناك رأيين يختلفان باختلاف منطلقاتهما؛ وهما: الرأي الذي يركّز على مفهوم (الشراكة) في العلاقات الأمريكية الأوروبية انطلاقاً من الأبعاد السياسية والاستراتيجية، والرأي الذي يفهم تلك العلاقات باعتبارها تنافسية انطلاقاً من الأبعاد الاقتصادية والتجارية، ورغم ما ينطوي عليه كلا الرأيين من صحة، فإن العلاقة بين جانبي الأطلسي هي من التعقيد والتشعب بحيث لا يمكن اختزالها في مفهوم وأصل واحد.
فالشرق الأوسط هو أحد مجالات التفاعل، وليس المجال الوحيد، وهذه الحقيقة تحديداً، تجعل الدراسة تستبعد بحث الموضوع باعتبار الشرق الأوسط نظاماً إقليمياً منغلقاً، بل إنها تحاول ردم الهوة الفاصلة بين إدراك صناع القرار والاستراتيجية، وإشكاليات وقضايا المنطقة.
الافتراض الأساسي لهذا البحث هو أن العوامل التي تدفع الأوروبيين والأمريكيين إلى التقارب في مواقفهم من الشرق الأوسط وقضاياه، تؤثر حتى اليوم تأثيراً أكبر من العوامل الدافعة نحو الاختلاف.
ومن خلال نهج (تاريخي – تحليلي)، تسعى الدراسة إلى إثبات فرضية أن تفاعل الطرفين في الشرق الأوسط لا ينعزل عن البناء الكلي لعلاقتهما، وأن التحوّل في هذا التفاعل لا يمكن أن يحدث إلا بحصول تحوّل في معادلات القوة الأساسية التي بنيت عليها هذه العلاقات، دون إنكار أن "خصوصية" الشرق الأوسط قد استُغلت من الطرفين في محاولة التأثير على الآخر وتوجيه خياراته.
وسيرتبط تأثير العلاقات الأمريكية - الأوروبية على الشرق الأوسط بتطوّر الأحداث على المدى القريب والمدى البعيد، وعليه فإن التفاعل الأمريكي في المنطقة سيبقى تفاعل شركة معقدة تحوي في داخلها احتمالات التنافس المحدودة (في وصفها الاستراتيجي) بما أن الطرفين مازالا متفقين على المصالح الأساسية.