أزمة الملف النووي الإيراني وسيناريوهات الموقف الأمريكي المحتمل: دراسة إستراتيجية
تتناول هذه الدراسة العلمية سيناريوهات الموقف الأمريكي المحتمل في التعامل مع الملف النووي الإيراني الذي أصبح مسألة تسيطر على اجتماعات الدول الكبرى، خاصةً مستقبل الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. حيث تعد هذه المنطقة من أكثر المواقع العالمية في التركيز السياسي والإعلامي، نظراً للتطورات التي تحدث فيها حالياً والمتوقع حصولها في المستقبل. فالحرب الأمريكية على العراق، التي أدت إلى احتلال أمريكا للعراق، وتوقف عملية السلام بما فيها من حصارٍ على الشعب الفلسطيني المستمر أمام أنظار العالم، يُبقي الضغوط على المنطقة من جميع الأطراف الدولية، وكأن العالم حلَّ جميع مشكلاته، ولم تبق إلا مشكلة هذه المنطقة، التي اخترقت كل الأنظمة الأمنية لدول العالم الكبرى في ما يسمى بالحرب على الإرهاب!!
وتتمثل حقيقة الملف النووي في البعد الاستراتيجي للتفكير الإيراني في الرؤية الإستراتيجية الإيرانية لنفسها وخصائصها الإقليمية، ولطبيعة النظام الدولي المرتبط بالعلاقات الأمريكية- الإيرانية؛ كما إن عقلية الحصار (Siege Mentality) التي طورتها إيران ،تفسر سلوكها العسكري والسياسي في منطقة الخليج العربي، حيث تعد إيران نفسها محاطة بأطماع إقليمية من قبل جيرانها؛ لذا لا بد من أن تتخذ إجراءات، كالسعي لامتلاك سلاح نووي من أجل هذه الغاية.
ويمكن القول: إن الخيارات الأمريكية تجاه إيران مرتبطة بطبيعة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران، فمنذ الثورة الإيرانية لم تطور الولايات المتحدة الأمريكية سياسة خارجية محددة تجاه إيران.
وبالرغم من أن الخيارات الأمريكية في ضوء الإدارة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية محدودة، فهي تروج بأنها تسعى إلى حل دبلوماسي لقضية الملف الإيراني، إلا أنها لم تتخل عن بقية الوسائل، بما فيها استخدام القوة لتغيير النظام في إيران.
وتعرض الدراسة السيناريوهات المتوقعة للتعامل مع الملف النووي الإيراني، والمؤشرات التي تقف وراءها من أجل تشكيل رؤية مستقبلية لما يمكن أن يحدث وتعرضها في ثماني سيناريوهات، الأول: إهمال الملف الإيراني: حيث يقوم هذا السيناريو على مبدأ ألا تقوم الولايات المتحدة بعمل شيء ضد إيران، والسيناريو الثاني: تغيير النظام السياسي الإيراني من الداخل: ويتمثل هذا السيناريو بمحاولة تغيير النظام السياسي من الداخل، من حيث استغلال الأوضاع الاقتصادية المتردية، وعدم قدرة الرئيس محمود أحمدي نجاد على الوفاء بوعوده للشعب الإيراني، والسيناريو الثالث: الانتظار لحين وصول إيران إلى مرحلة متقدمة من تطوير سلاح نووي حتى تكون الضربة العسكرية الأمريكية ذات مغزًى عسكري، وبدعم دولي وغطاء شعبي، ويمكن أن يكون الانتظار لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، والسيناريو الرابع: الاستمرار في التفاوض الدبلوماسي عن طريق الدول الأوروبية: حيث تعتمد على افتراض أن النظام يستطيع أن يصحح ذاته بطرق سلمية. لكن التجربة الأوربية في التفاوض مع إيران قد فشلت بعد أن تم تحويل الملف النووي إلى مجلس الأمن، وهو ما سيزيد من التعنت الإيراني. إن المفاوضات قد ينظر إليها من وجهة نظر إيرانية على أنها شراء وقت، خاصة إذا كانت مصممة على برنامجها النووي. والسيناريو الخامس: تطبيق النموذج العراقي في الضربة العسكرية المحتملة لإيران، والسيناريو السادس: الانفراج في العلاقات الأمريكية-الإيرانية، والسيناريو السابع: ضربه عسكرية إسرائيلية بموافقة أمريكية: بحجة الدفاع عن النفس، حيث أن إسرائيل هي الدولة المستفيدة من ضرب إيران لتدمير القوة النووية الإيرانية قبل ميلادها، ولدى إسرائيل المبررات الكافية لتقوم بضربة عسكرية، والسيناريو الثامن: تطبيق النموذج الكوري الشمالي، بأن تتخلى إيران عن سلاحها أو برنامجها النووي مقابل تزويد إيران بما تحتاج من الطاقة.
وقد ناقشت الدراسة خيارات عدة مبنية على أسس علمية قد تكون ذات فائدة لصانع القرار والمحلل في المنطقة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، لكن من الواضح أن الاتجاه العام في مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على إيران يؤكد إدراك العالم لمخاطر الخيار العسكري الذي تتحمس له بعض الأطراف في الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالرغم من أن صعوبات الخيار ليست سبباً كافياً لاستبعاده، لكنها بلا شك تؤثر على عملية صناعة القرار تأثيراً كبيراً بوصفه مغامرة خطرة حتى لدى الإدارة الأمريكية الحالية.